بغداد: قُرَّةُ العين – عن صالات العرض

يحتفي معرض "بغداد: قرة العين" بمدينة بغداد التي تعدّ أهم وأكثر المدن تأثيراً في العالم الإسلامي.

المشاركة مع صديق

مدينة السلام

عندما بحث الخليفة العباسي المنصور عن عاصمة لخلافته الجديدة، وقعت عينه على مكان خصب على نهر دجلة تتقاطع فيه طرق التجارة التاريخية. كان الموقع بعيداً عن دمشق، عاصمة الأسلاف الأمويين، وقريباً من قطسيفون مقر الساسانيين الذين حكموا العراق وإيران لقرون من قبل.

قرر المنصور بناء مدينة مستديرة مستوحاة من النماذج المعمارية التي سبقت الإسلام، مع مسجد وقصر في وسطها. شيّدت المدينة للمنصور وحاشيته حصراً وأطلق عليها اسم "مدينة السلام". بدأ المنصور في مرحلة لاحقة بتطوير مناطق السباخ المحيطة بالمدينة لتوطين السكان الآخذين بالازدياد.

هل من نظير لمدينة السلام بغداد؟! لعمري هي معجزة، ما لها نظير

علي بن حسين الواسطي (توفي 919)

كانت بغداد أكبر مدينة في العالم خلال أغلب مراحل العصر العباسي. وقد استمرت في لعب دورها كمركز إقليمي، حتى في زمن الحكم العثماني، الذي استمر من القرن السادس عشر إلى أوائل القرن العشرين. بحكم موقعها كعاصمة لجمهورية العراق منذ عام 1958، خضعت بغداد مرة أخرى لتحولات جسيمة، وهي اليوم مدينة ضخمة تضم أكثر من 7.6 مليون نسمة.

مدينة القصور

جاء العباسيون بحقبة من الحكم القوي، كما رعوا الهندسة المعمارية التي تميزت بآثارها وجمالها وفنونها. أقاموا بلاطهم في بغداد وسامّراء، فبنوا قصوراً مهيبة ذات تصميمات داخلية فخمة ومنشآت متداخلة وأجنحة وحدائق واسعة ومضامير للسباقات. وقد حددت هذه الهياكل الفخمة المعقدة التي كانت رموزاً للثروة والسلطة، الاتجاهات الفنية والمعمارية المنتشرة في جميع أنحاء الخلافة العباسية.

عاد الأسلوب العباسي إلى الانتشار من جديد في القرن العشرين، لا سيما في عهد الملك فيصل الثاني (1939-1958 ) ثم صدام حسين (1979-2003). أصبحت بغداد مرة أخرى قوة حضرية وفنية وانطلقت فيها مرحلة جديدة من بناء القوة. استحضاراً لأيام الروائع المعمارية المجيدة التي شهدها العصر العباسي، تحول مشهد مدينة بغداد إلى خلفية من المباني والمنحوتات الرائعة، عكست في الغالب فلسفة الجمال العباسية وأعطت المدينة هوية بصرية فريدة.

مدينة المعرفة

كان الخلفاء العباسيون من أشد داعمي العلم. من خلال رعايتهم، أصبحت بغداد القوة الفكرية الأكثر هيمنة في زمانها. قامت في بغداد مؤسسات تعليمية ومكتبات شهيرة، مثل بيت الحكمة، جذبت الطالب والعلماء من جميع أنحاء العالم الإسلامي. ساهم ظهور الثقافة العلمية المكتوبة في تكوين فئة جديدة من الخطاطين المهرة الذين استخدموا الورق الواصل من الصين واعتمدوا أسلوباً أكثر وضوحاً في الكتابة باللغة العربية، يسمى النسخ.

كما ظهرت سوق متنامية للكتب بين صفوف القراء المتعلمين، الذين وجدوا في بغداد العباسية وجهتهم المثالية. في الوقت الحاضر، يمكن لعشاق الكتب التجول في مكتبات شارع المتنبي، القلب النابض للمشهد الأدبي في بغداد. تستمر ثقافة المدينة في إلهام الخطاطين والطلاب والباحثين المعاصرين إلى يومنا هذا. تُعتبر الجامعات الحديثة، التي تأسست في النصف الثاني من القرن العشرين، مرآة تعكس إرث بغداد الفكري المجيد.

مدينة الأسواق والتجارة

ما كان للحياة الثقافية والفكرية الغنية التي ميزت بغداد في العصر العباسي أن تنتعش وتنمو لولا الازدهار الاقتصادي الذي شهدته المدينة. تتميز بغداد بخصوبة أراضيها نظراً لتموضعها بين نهري دجلة والفرات، حيث بنى الخلفاء العباسيون حولها شبكة من القنوات لري الأراضي الزراعية زوّدت الامبراطورية العباسية بأكملها بالغذاء.

شكلت التجارة مصدراً آخراً مهماً للدخل. بنى العباسيون مدينة البصرة الساحلية على الخليج العربي وشجعوا التجارة من خلال تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع حكام الصين وآسيا الوسطى وأوروبا. نتيجة لذلك، ازدهرت أسواق بغداد وجذبت التجار من جميع أنحاء العالم بحثاً عن السلع الكمالية. كان القرن العشرون زمناً مزدهراً آخر لبغداد. تم استثمار الثروة الناتجة عن النفط في تطوير الصناعات الجديدة وتحديث البنية التحتية وبناء وسائل النقل لربط المدينة بأوروبا وبقية أجزاء آسيا.

مدينة الشعب

بحلول القرن العاشر بلغ عدد سكان بغداد حوالي مليون ونصف نسمة. اليوم، يبلغ عدد سكانها أكثر من 7.6 مليون نسمة، ما يجعلها ثاني أكبر عاصمة في العالم العربي. ورغم تاريخها الحافل بالاضطرابات والفيضانات والأوبئة والصراعات السياسية والغزوات والحروب، ظلت بغداد دائماً موطناً لسكان من خلفيات عرقية ودينية مختلفة.

اجتذبت المدينة منذ تأسيسها مجموعات متنوعة من المسلمين السنة والشيعة والمسيحيين واليهود والزرادشتيين. وقد أسهمت هذه المجتمعات على مر القرون في إثراء الحياة العالمية للمدينة - سواء كان ذلك في تجمعات الأسواق والمقاهي والمكتبات أو في المشاركة بحرية في الاحتفالات الدينية أو الاجتماعية الكبيرة. بعد التوسع الهائل الذي شهدته مدينة نيويورك في أعقاب الحرب العالمية الثانية، أطلق عليها البعض اسم ”بغداد الهدسون“، وفي الوقت نفسه أطلق على بغداد اسم ”نيويورك دجلة".