tbc

على خُطى آرا غولر: بصمة مصوِّر— عن قاعات العرض

ينقسم المعرض إلى أربعة أقسام، ويقدم مجموعة من أبرز الموضوعات في أرشيف المصور الفوتوغرافي آرا غولر، إلى جانب المراسلات، والمعدات الفوتوغرافية، والكاميرات، وغيرها من المقتنيات من مركز آرا غولر للأرشيف والأبحاث.

المشاركة مع صديق

ولد آرا غولر في إسطنبول عام 1928، ويُحتفى به كثيراً كرائد في مجال التصوير الصحفي وفن التصوير الفوتوغرافي على الصعيدين المحلي والدولي. وهو تقريباً شاهد على جل تاريخ تركيا الحديث بعد أن عاش تسعة من العقود، كللَّها بمسيرة مهنية حافلة على مدار سبعين عاماً، فأصبحت أعماله سجلاً تاريخياً بصرياً لتركيا والعالم. ومعرض "على خُطى آرا غولر:  بصمة مصوِّر" هو استعراض لمجموعة بارزة من موضوعات أرشيفاته الفوتوغرافية، ولحياته الملهمة كمصوّر صحفي شهير.

يبدأ المعرض من قسم إسطنبول، المدينة التي ارتبط بها غولر ارتباطاً وثيقاً وأصبح اسمه مرادفاً لها، ويستمر آخِذاً الزوار في غمار رحلة ثقافية وتاريخية عبر بعض مواقع التراث الأثري الغنية في تركيا، فتقابلهم بعد ذلك أشهر البورتريهات للشخصيات البارزة التي شهدها القرن العشرين في مختلف المجالات، والتي حظي غولر بصحبتها شخصياً طوال فترة حياته. وفي الأخير، يختتم المعرض باستعراض جانب أقل شهرة للفنان، وهو فيلمه التجريبي "نهاية البطلة" الذي يعرض هنا كإشادة بأُولى الطموحات السينمائية لهذا المصوِّر الأسطوري.

لقد لعب التصوير الفوتوغرافي، منذ اختراعه عام 1839، دوراً رئيسياً في تسهيل التواصل بين الثقافات وإثارة الإنبهار بوجهات السفر، والمجموعة العامة لمتاحف قطر وما تتضمنه من صور  ومقتنيات مشهورة عالمياً حول تاريخ التصوير الفوتوغرافي، تتناظر هنا مع عدسة غولر المحلية الأصلية، وهي تبرز مختلف تصورات مصوِّري السفر الفوتوغرافيين في القرن التاسع عشر الذين طالما نظروا إلى إسطنبول على أنها أرض العجائب.

نسيجٌ خالِد

لا تزال إسطنبول تأسِر خيال الناس في جميع أنحاء العالم بتاريخها العريق كعاصمة للإمبراطوريات الرومانية والبيزنطية والعثمانية. مدينة ساحرة بتناقضاتها وضفتيها المطلتين على القارتين، إسطنبول وفي آنٍ واحد، هي المدينة التي ملؤها الصخب والهدوء، الضوضاء والسكينة، وتنبض الحياة فيها بتدفق مزيجٍ من الألوان الفيروزية والذهبية.

عاش آرا غولر بمسقط رأسه إسطنبول طوال حياته، ورغم طبيعة مهنة التصوير الصحفي التي سافرت به جميع أنحاء تركيا وحتى خارجها، إلاَّ أن إسطنبول، مدينته الحبيبة، هي الموضوع الذي استحوذ على قلبه بشكل لم يسبق له مثيل، بل وكانت بحثاً رافقه مدى الحياة. لتلتقط بذلك عدسته ببراعةٍ سحر هذه المدينة، ويصبح اسمه مرادفاً لإسطنبول نفسها.

حفظ غولر كل شبرٍ من معالم إسطنبول عن ظهر قلب، موثقاً الأحداث التاريخية والعَمارة وسكان المدينة.  فقد كان يخرج من شقة عائلته في بك أوغلي، ويتردد على أماكن حيِّهِ على طول شارع الاستقلال، وينعطف نزولاً إلى أرصفة غلاطة. ومن هناك، يكمل طريقه أحياناً إلى المدينة القديمة أو يقفز على متن عبارة تبحر به على طول مضيق البوسفور.

يتتبع هذا القسم من المعرض خطى غولر على مسار دربه المعتاد، وهو يحتضن مجموعة من أشهر صوره الفوتوغرافية كصور الأبيض والأسود، جنباً إلى جنب مع مطبوعات المجموعة العامة لمتاحف قطر التي تصوّر إسطنبول في القرنين التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كشهادةٍ أخرى على الجاذبية الخالدة لهذه المدينة الرائعة.

أمّا عن ذلك العجوز في المقهى وهو في لحظة تفكير عميقة، أو ذلك القارب المرقّع منعاً لتسرب المياه، أو تلك اللحظة من الوداع المؤقت، فهم ليسوا سوى بضع لحظات التقطتها عدسة غولر أثناء استكشافه الواسع لمدينة اعتبرها موطناً له. وفي ظل هذه المعالم المقدّسة وروعتها المعمارية، يحاكي الفنان صورة  لمدينة دائمة الحركة يتجاوز صوتها ورائحتها حدود الإطار.

أصداء من الماضي

امتدّ حب آرا غولر للتاريخ والتوثيق إلى ما هو أبعد من إسطنبول، فسافر وسجّل العديد من المواقع الأثرية حول العالم، ولكنه ركز في الغالب على التراث الغني الذي تزخر به بلاده تركيا. كما تراوحت المواقع التي غطاها في تركيا ما بين تلك التي يعود تاريخها إلى العصر الحجري الحديث وتلك التي تعود إلى الإمبراطورية العثمانية. وقد أسفر تفاني آرا غولر واهتمامه الشخصي بعلم الآثار عن إنتاج مجموعة مهمة من التقارير المصورة، بما في ذلك "إعادة اكتشاف" أفروديسياس في أواخر الخمسينيات، وكذا معبد نمرود داغ، الذي أدرجته اليونسكو في قائمة التراث العالمي عامي 2017 و1987 على التوالي. وبعرض هذين العملين المهمين للفنان، إلى جانب مجموعة مختارة من المواقع التاريخية التي لا حصر لها الموثقة داخل تركيا، تؤكد الروايات البصرية التي يحتضنها هذا القسم على دور التصوير الفوتوغرافي في زيادة الوعي بالحفاظ على إرث الماضي من خلال الصور الشعريّة للفنان، وكذا المواد التوثيقية التي ترافق هذا الإستعراض الخاص، بما فيها مقتنيات مركز آرا غولر للأرشيف والأبحاث مثل المراسلات وصناديق الأرشيفات والمنشورات.

بصحبة طيبة

قابل آرا غولر خلال مسيرة حياته كبار الكتاب والفنانين والسياسيين والعلماء وغيرهم من الشخصيات البارزة في عصره التي إلتقطتها عدسته، مما ساهم في أن تصبح البروتريهات موضوعاً أساسياً ضمن أرشيفات الفنان.

وبصفته عضواً في مجتمع التصوير الفوتوغرافي والفني الدولي، غالباً ما تمتع غولر بصداقات دائمة مع الأشخاص والمعاصرين الذين صوّرهم. وعلاوة على السلسلة المختارة من هذه البورتريهات، يضم هذا القسم مجسماً لكِتاب صُنِع يدوياً يحاكي "معالم العالم السبعة"، وهي بورتريهات تجميعية لسبع شخصيات بارزة، بمن فيهم بابلو بيكاسو وتينيسي ويليامز وسلفادور دالي. وعلى نحو حصري لهذا المعرض، يقترن بورتريه الفنانة فخر النساء زيد الذي صوّره آرا غولر، مع رسوماتها الخاصة التي تتضمنها مجموعة متحف: المتحف العربي للفن الحديث.

نهاية البطلة

يروي فيلم "نهاية البطلة" (1973-1975)، من إخراج وإنتاج آرا غولر شخصياً، قصة تفكيك يافوز، تلك السفينة الحربية التاريخية التي لعبت دوراً محورياً في دخول الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى (1914-1918). ككولاج سينمائي يمزج بين مصادر متنوعة ونهج بصرية مع موسيقى تصويرية غير تقليدية، يتضمن الفيلم مؤلفات للموسيقي الشعبي والناشط الشهير روهي سو. من الجدير ذكره هنا، أن الحزن قد خيّم على غولر حين علم بتفكيك هذا التراث العسكري المهم ليُعاد تدويره فقط من أجل إنشاء مصنع لشفرات الحلاقة. يتكوّن الفيلم من رسومات وصور تاريخية، بالإضافة إلى لقطات وثائقية خاصة بالمصوّر، والتي تشتمل جزئياً على ممثلين مسرحيين.